التخطي إلى المحتوى الرئيسي

سينما الصداقة بأسوان تستعيد ذكريات الزمن الجميل وتكرم رموز الفن السابع

 


كتب : يوسف احمد 

بين ضجيج المدينة الساكنة، وعلى شاطئ النيل الخلاب في أسوان، تقف سينما الصداقة العريقة كحارس أمين على ذكريات سينمائية بدأت تتلاشى، إذ شهدت جدرانها حكايات أناس تأثروا بالدراما والكوميديا والمآسي، مجتمعين أمام شاشة واحدة ليعيشوا عوالم مختلفة.


شُيدت سينما الصداقة في سبعينيات القرن الماضي، وكانت وقتها إحدى أبرز النوافذ التي تطل منها أسوان على العالم، حيث شهدت عروضًا لأحدث الأفلام، واستضافت فعاليات فنية وثقافية، وتحولت إلى ملتقى لمحبي الفن السابع. غير أن خضم تراجع الدعم الثقافي، وتغير أذواق الجمهور، وهيمنة شاشات الهواتف والمنصات مثل نتفليكس، جعل تلك القاعة العظيمة توشك على التلاشي من الذاكرة.


ويستحضر أحد قاطني حي شرق بمدينة أسوان ذكريات أيام السينما الماضية بصورة حية لازدحام دور العرض، قائلاً: "اعتدنا على حجز تذاكر العروض قبل يومين من موعدها، حيث كانت القاعات تشهد إقبالاً جماهيريًا لافتًا وتمتلئ المقاعد بالكامل، لقد كان لتلك الأيام سحر خاص نفتقده في حاضرنا."

ويضيف المتحدث، الذي واكب تلك الفترة في شبابه: "لم يكن اسم الفيلم يشغل بالنا بقدر ما كان يستقطب اهتمامنا نجوم الشاشة ومتعة استكشاف عوالم جديدة، فضلاً عن الصخب المميز الذي كان يلف أمسيات السينما آنذاك. لا يزال في الذاكرة وهج الشاشة المنعكس على الوجوه السمراء، ورائحة الفشار الممزوجة بعبق التجمعات البشرية، تلك التفاصيل التي ترسخت في مخيلتنا كجزء أصيل من حكايات تروى وتُعاش في آنٍ واحد."


ورغم قيمة سينما الصداقة الثقافية وأهميتها الرمزية، فقد توقفت لعدة سنوات وتدهور مبناها بشكل كبير، إلا أن بفضل التعاون مع صندوق التنمية الثقافية، تم إدراجها ضمن خطة لتحديث قاعات العرض التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة.

وشهدت السينما بعض أعمال الترميم، وأعيد افتتاحها بشكل جزئي في مواسم معينة، خاصة خلال مهرجان أسوان لأفلام المرأة، ومع ذلك، ما زالت السينما بحاجة إلى برنامج تشغيل مستمر وعروض منتظمة لعودة الجمهور إلى مقاعدها مرة أخرى.


وهكذا، تظل سينما الصداقة مرآة تعكس تاريخًا ثقافيًا ثريًا لمدينة أسوان، حيث كانت الشاشة الفضية نافذة تطل منها المدينة على عوالم الحكايات، في زمنٍ بات فيه الاستمتاع بالسينما محصورًا بين جدران المنازل وعلى شاشات الهواتف. إلا أن شباب أسوان ينظرون إلى هذا الصرح بعين الأمل، ساعين لتحويله إلى مركز حيوي للإبداع الفني، يرحب بالأعمال السينمائية المستقلة، ويوفر مساحة لتعلم وتطوير مهارات كتابة السيناريو والإخراج، وبذلك يستعيد للمدينة مكانتها كمنارة إبداعية على الخريطة المصرية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اللي اختشوا ماتوا" مثل شعبي ارتبط بحادثة الحريق في حمام السلطان اينال

كتبت فرح بهاء: حمام السلطان إينال، من أقدم الحمامات الشعبية في القاهرة، حيث يبلغ عمره حوالي ٧٠٠ عام، ليبقى دليلًا على جمال العمارة في ذلك الوقت، وعادات اجتماعية قديمة اعتادها الناس منذ زمن بعيد. يقع حمام السلطان الأشرف إينال بجوار المدرسة الكاملية في منطقة الجمالية بشارع المعز، ويُعد واحدًا من أهم المعالم الأثرية في القاهرة. بناه السلطان إينال عام ٨٦١هـ / ١٤٥٦م، واستلهم تصميمه من الطراز العثماني الذي كان يُعتمد في بناء الحمامات التقليدية، والتي كانت ترمز إلى الرفاهية والاسترخاء. بدأ السلطان الأشرف إينال حياته في مناصب صغيرة حتى وصل إلى قيادة الجيش في عهد السلطان جقمق، ثم سنحت له الفرصة لتولي حكم مصر بعد خلع السلطان المنصور عثمان بن جقمق. تميّز إينال ببعض الصفات الجيدة، مثل حرصه على تطبيق الشريعة فيما يخص أحكام القتل، وعدم ميله للتملق، لكنه كان أميًا لا يجيد القراءة، حتى إنه لم يكن قادرًا على قراءة الفاتحة، وكانت صلاته سريعة. شهد عصره اضطرابات عديدة، حيث واجه سبع ثورات داخلية بسبب سياسته التي اعتمدت على تعيين المماليك الكبار في السن، الذين عرفوا بتمردهم وفسادهم، على عكس الحكام ال...

المعز: شارع أثري في القاهرة القديمة يضم أكثر من ٢١٥ أثر إسلامي

  كتبت منة الله هاشم: يحمل شارع المعز لدين الله الفاطمي بين جنباته أكثر من ألف عام من الحضارة الأسلامية ليشكل وجدان شعبه، باعتباره أقدم وأطول شارع في العالم تزينه جواهر المعمار الإسلامي، كما يعد أكبر متحف إسلامي مفتوح في العالم ويوجد به حوالى ٢١٥ أثر إسلامي هام ويمتد شارع المعز من باب زويله بالدرب الاحمر مرورًا بالغورية وشارع الصاغة ووصولًا الى باب الفتوح بالجمالية.  يطلق أيضًا على شارع المعز اسم الشارع الأعظم أو بين القصرين أو قصبة القاهرة أو قصبة القاهرة الكبرى، فهو قلب مدينة القاهرة القديمة، يُعد الشارع حاليًا متحفًا مفتوحًا يضم مجموعة من آثار مدينة القاهرة الإسلامية في الفترة من القرن العاشر حتي القرن التاسع عشر بعد الميلاد، فضلاً عن الثراء المعماري وتنوعه بين العمارة الدينية والسكنية والتجارية والخيرية والعسكرية، يقع الشارع داخل نطاق القاهرة التاريخية التي تم إدراجها على قائمة مواقع التراث العالمي عام ١٩٧٩م. يضم الشارع نحو ٣٥ أثرًا إسلاميًا من مختلف العصور منها الفاطمي والمملوكي والعثماني، كما تضم الشوارع المتفرعة منه نحو ٤٣ أثرًا. تتنوع هذه الآثار بين القصور والمنازل وال...

محمود رضوان: أسوان.. مدينة تجمع بين دفء أهلها وثراء ثقافتها، وتجعل الزائر يتطلع دومًا للعودة إليها من جديد

كتب ضياء مصطفي: في الجنوب المصري، حيث تحتفظ أسوان بروح فريدة تجعلها من أبرز مدن مصر تميزًا وجاذبية. وللاقتراب أكثر من تفاصيل الحياة الأسوانية وجمال المدينة، أجرينا حوارًا مع محمود رضوان، أحد أبناء أسوان، ليتحدث معنا عن أسلوب المعيشة، الثقافة المحلية، وأهمية المدينة على الخريطة السياحية. بدايةً، كيف تصف أسوان لشخص لم يزرها من قبل؟ أسوان نموذج فريد لطابع مختلف وروح مميزة. إذ يشعر زائرها وكأنه انتقل إلى عالم آخر، بعيد عن صخب الحواضر الكبرى. يتسم الهدوء فيها بخصوصية متفردة، فيما يتمتع نهر النيل بجمال استثنائي. الحياة بسيطة، وأهلها طيبون للغاية ويحبون مساعدة الآخرين. وتمثل السياحة عنصرًا رئيسيًا في نمط الحياة اليومي بمدينتنا. كيف ترى العلاقة بين أسوان والسياحة؟ السياحة هي شريان الحياة الرئيسي لمدينة أسوان، حيث يعمل غالبية سكانها في أنشطة مرتبطة بها، سواء في تشغيل المراكب النيلية أو إدارة البازارات أو تقديم الخدمات الفندقية. ويحرص السائحون عند زيارتهم للمدينة على خوض تجربة متكاملة، تشمل التنقل عبر المراكب، وزيارة الجزر النيلية، والتعرف عن قرب على العادات والتقاليد النوبية. ما الأماكن التي ين...