التخطي إلى المحتوى الرئيسي

متحف النوبة بمدينة أسوان: مبنى ثقافي يبرز تاريخ النوبة وتراثها الممتد عبر العصور

كتب: ضياء مصطفى

متحف النوبة بمدينة أسوان هو من أبرز المعالم التي تجسد ملامح الحضارة النوبية، حيث يجمع بين الفن والتاريخ لتوثيق قصة شعب عاش على ضفاف نهر النيل وأسهم في تشكيل جزء مهم من تاريخ مصر. ويعد المتحف بمثابة نافذة حية تتيح للزوار التعرف على التراث النوبي واستكشاف مراحله الممتدة عبر آلاف السنين.

عند الاقتراب من مدخل متحف النوبة، يلفت الأنظار الطراز المعماري المستلهم من البيوت النوبية التقليدية، حيث تتناغم الجدران المنحنية مع الفتحات المصممة بعناية لإدخال الضوء الطبيعي بانسيابية. ويعكس هذا التصميم بمهارة روح البيئة المحلية وألوانها الدافئة، مما يضفي على المبنى طابعًا فنيًا متجانسًا مع محيطه الطبيعي.

داخل أروقة المتحف، تبدأ الرحلة الحقيقية لاستكشاف تاريخ النوبة وحياة سكانها عبر العصور المختلفة، حيث يضم المتحف مجموعة متميزة من المعروضات التي تتنوع بين المخطوطات القديمة، والتماثيل، والمقتنيات الأثرية، والتي تسرد ملامح الحياة النوبية منذ أقدم العصور. وتشمل هذه المعروضات الأدوات المستخدمة في الحياة اليومية، إلى جانب لوحات فنية توثق الأساطير النوبية وأبرز الشخصيات التي كان لها دور محوري في تاريخ المنطقة. ويعكس المتحف أيضًا التطور الثقافي والاقتصادي للحضارة النوبية من خلال عرض الأواني الفخارية، والمجوهرات المزخرفة، واللوحات المنحوتة بدقة متناهية، مما يعطي صورة واضحة عن الحياة النوبية القديمة.

ومن أبرز معروضات المتحف، تمثال الملك رمسيس الثاني، وهيكل عظمي يعود إلى حوالي ٢٠ ألف سنة، مما يعزز الأهمية الأثرية للمنطقة. كما يضم تمثال الملك «شبتكا»، المنحوت من حجر الديوريت، لأحد ملوك مملكة كوش النوبية التي تأسست في القرن الثامن قبل الميلاد، بالإضافة إلى مقصورة قصر أبريم الأثرية، التي تعود إلى قصر أبريم وتبرز العمارة النوبية القديمة.

ويعرض المتحف أيضًا نموذجًا لمعبد فيلة، ولوحة حجرية لأمنحتب تبرز النقوش والكتابات الهيروغليفية المستخدمة في العصور الفرعونية، إلى جانب مقصورة البابون والعقرب، التي تحتوي على نقوش وتماثيل لحيوانات كانت تعبد في الثقافة النوبية القديمة. ومن أبرز القطع المعروضة كذلك، تمثال للبا (الروح)، وهو عمل نحتي يجسد مفهوم "الكا" أو الروح في المعتقدات الدينية للمصريين القدماء، حيث كان يُعتقد أن الروح تواصل رحلتها في العالم الآخر بعد الوفاة، بالإضافة إلى تمثال أمرديس، إحدى الملكات النوبيات اللاتي تولين الحكم خلال فترة تاريخية محددة، ويعكس التمثال مهارة الفن النحتي ودقة التفاصيل التي تميزت بها تلك الحقبة. كما يقدم المتحف نموذجًا لمقبرة إسلامية.

ويسهم متحف النوبة في تعريف الأجيال الجديدة بحضارة النوبة الغنية من خلال المعروضات والمعلومات التي يقدمها، وهو مؤسسة ثقافية تهدف إلى توثيق التراث النوبي وحمايته من الاندثار، ويمثل وجهة رئيسية للباحثين والسياح الراغبين في استكشاف الثقافة النوبية وفهم أعمق لهذه الحضارة المميزة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اللي اختشوا ماتوا" مثل شعبي ارتبط بحادثة الحريق في حمام السلطان اينال

كتبت فرح بهاء: حمام السلطان إينال، من أقدم الحمامات الشعبية في القاهرة، حيث يبلغ عمره حوالي ٧٠٠ عام، ليبقى دليلًا على جمال العمارة في ذلك الوقت، وعادات اجتماعية قديمة اعتادها الناس منذ زمن بعيد. يقع حمام السلطان الأشرف إينال بجوار المدرسة الكاملية في منطقة الجمالية بشارع المعز، ويُعد واحدًا من أهم المعالم الأثرية في القاهرة. بناه السلطان إينال عام ٨٦١هـ / ١٤٥٦م، واستلهم تصميمه من الطراز العثماني الذي كان يُعتمد في بناء الحمامات التقليدية، والتي كانت ترمز إلى الرفاهية والاسترخاء. بدأ السلطان الأشرف إينال حياته في مناصب صغيرة حتى وصل إلى قيادة الجيش في عهد السلطان جقمق، ثم سنحت له الفرصة لتولي حكم مصر بعد خلع السلطان المنصور عثمان بن جقمق. تميّز إينال ببعض الصفات الجيدة، مثل حرصه على تطبيق الشريعة فيما يخص أحكام القتل، وعدم ميله للتملق، لكنه كان أميًا لا يجيد القراءة، حتى إنه لم يكن قادرًا على قراءة الفاتحة، وكانت صلاته سريعة. شهد عصره اضطرابات عديدة، حيث واجه سبع ثورات داخلية بسبب سياسته التي اعتمدت على تعيين المماليك الكبار في السن، الذين عرفوا بتمردهم وفسادهم، على عكس الحكام ال...

المعز: شارع أثري في القاهرة القديمة يضم أكثر من ٢١٥ أثر إسلامي

  كتبت منة الله هاشم: يحمل شارع المعز لدين الله الفاطمي بين جنباته أكثر من ألف عام من الحضارة الأسلامية ليشكل وجدان شعبه، باعتباره أقدم وأطول شارع في العالم تزينه جواهر المعمار الإسلامي، كما يعد أكبر متحف إسلامي مفتوح في العالم ويوجد به حوالى ٢١٥ أثر إسلامي هام ويمتد شارع المعز من باب زويله بالدرب الاحمر مرورًا بالغورية وشارع الصاغة ووصولًا الى باب الفتوح بالجمالية.  يطلق أيضًا على شارع المعز اسم الشارع الأعظم أو بين القصرين أو قصبة القاهرة أو قصبة القاهرة الكبرى، فهو قلب مدينة القاهرة القديمة، يُعد الشارع حاليًا متحفًا مفتوحًا يضم مجموعة من آثار مدينة القاهرة الإسلامية في الفترة من القرن العاشر حتي القرن التاسع عشر بعد الميلاد، فضلاً عن الثراء المعماري وتنوعه بين العمارة الدينية والسكنية والتجارية والخيرية والعسكرية، يقع الشارع داخل نطاق القاهرة التاريخية التي تم إدراجها على قائمة مواقع التراث العالمي عام ١٩٧٩م. يضم الشارع نحو ٣٥ أثرًا إسلاميًا من مختلف العصور منها الفاطمي والمملوكي والعثماني، كما تضم الشوارع المتفرعة منه نحو ٤٣ أثرًا. تتنوع هذه الآثار بين القصور والمنازل وال...

محمود رضوان: أسوان.. مدينة تجمع بين دفء أهلها وثراء ثقافتها، وتجعل الزائر يتطلع دومًا للعودة إليها من جديد

كتب ضياء مصطفي: في الجنوب المصري، حيث تحتفظ أسوان بروح فريدة تجعلها من أبرز مدن مصر تميزًا وجاذبية. وللاقتراب أكثر من تفاصيل الحياة الأسوانية وجمال المدينة، أجرينا حوارًا مع محمود رضوان، أحد أبناء أسوان، ليتحدث معنا عن أسلوب المعيشة، الثقافة المحلية، وأهمية المدينة على الخريطة السياحية. بدايةً، كيف تصف أسوان لشخص لم يزرها من قبل؟ أسوان نموذج فريد لطابع مختلف وروح مميزة. إذ يشعر زائرها وكأنه انتقل إلى عالم آخر، بعيد عن صخب الحواضر الكبرى. يتسم الهدوء فيها بخصوصية متفردة، فيما يتمتع نهر النيل بجمال استثنائي. الحياة بسيطة، وأهلها طيبون للغاية ويحبون مساعدة الآخرين. وتمثل السياحة عنصرًا رئيسيًا في نمط الحياة اليومي بمدينتنا. كيف ترى العلاقة بين أسوان والسياحة؟ السياحة هي شريان الحياة الرئيسي لمدينة أسوان، حيث يعمل غالبية سكانها في أنشطة مرتبطة بها، سواء في تشغيل المراكب النيلية أو إدارة البازارات أو تقديم الخدمات الفندقية. ويحرص السائحون عند زيارتهم للمدينة على خوض تجربة متكاملة، تشمل التنقل عبر المراكب، وزيارة الجزر النيلية، والتعرف عن قرب على العادات والتقاليد النوبية. ما الأماكن التي ين...