كتبت ياسمين صفوت:
في أقصى جنوب مصر، على ضفاف نهر النيل بمحافظة أسوان، يظهر السد العالي كأحد أعظم الإنجازات الهندسية في القرن العشرين، ولم يكن هذا المشروع مجرد سد مائي، بل كان نقطة تحول استراتيجية في مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية لمصر، حيث ساهم في تحقيق الأمن المائي، وتوليد الطاقة، وتعزيز الزراعة، رغم ما صاحبه من تحديات بيئية واجتماعية.
بدأت فكرة إنشاء السد العالي في خمسينيات القرن الماضي، بعد أن أصبحت السدود القائمة غير كافية للسيطرة على فيضانات النيل وتوفير المياه خلال فترات الجفاف. وفي ٩ يناير ١٩٦٠، وضع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حجر الأساس للمشروع، وبدأت أعمال البناء بمساعدة الاتحاد السوفيتي، الذي قدم الدعم الفني والمالي. استمر العمل لمدة عشر سنوات، وافتتح السد رسميًا في ١٥ يناير ١٩٧١ بحضور عدد من القادة العرب والأجانب، فيما بدأت محطة الكهرباء التشغيل في أكتوبر ١٩٦٧، وبدأ تخزين المياه في بحيرة ناصر منذ عام ١٩٦٨.
يبلغ طول السد عند القمة ٣,٨٣٠ مترًا، وارتفاعه ١١١ مترًا فوق منسوب قاع النهر، أما عرضه عند القمة فيصل إلى ٤٠ مترًا، وقد استخدم في بنائه حوالي ٥٧ مليون ياردة مكعبة من الصخور والرمال. وتقع محطة الكهرباء على الضفة الشرقية للنيل، وتحتوي على ١٢ توربينًا بقدرة إجمالية تبلغ ٢,١٠٠ ميغاوات، تنتج سنويًا حوالي ١٠ مليارات كيلوواط/ساعة.
وقد هدف السد إلى التحكم في الفيضانات وحماية مصر من الفيضانات المدمرة والجفاف، بالإضافة إلى تأمين إمدادات المياه للزراعة والصناعة والاستهلاك البشري، وتوفير مصدر مستدام للطاقة الكهربائية لدعم التنمية الصناعية، فضلًا عن التوسع الزراعي بزيادة الرقعة المزروعة من ٥.٥ إلى ٧.٩ ملايين فدان، وتحويل نظام الري من موسمي إلى دائم، إلى جانب تحسين الملاحة النهرية طوال العام وزيادة الإنتاج السمكي من بحيرة ناصر.
إلا أن إنشاء السد خلف آثارًا جانبية مهمة تمثلت في التهجير القسري لحوالي ٥٠,٠٠٠ شخص من سكان النوبة في مصر والسودان نتيجة إنشاء بحيرة ناصر التي تمتد لمسافة ٥٠٠ كيلومتر، بالإضافة إلى فقدان الطمي الذي أدى إلى تراجع خصوبة التربة وزيادة الاعتماد على الأسمدة الكيميائية، وفقدان كميات كبيرة من المياه بسبب التبخر تحت مناخ أسوان الحار، إلى جانب تأثيرات بيئية غيّرت النظام البيئي وأثرت على التنوع البيولوجي.
وقد بلغت التكلفة الإجمالية لبناء السد حوالي ٤٠٠ مليون جنيه مصري (ما يعادل مليار دولار أمريكي وقتها)، ساهم الاتحاد السوفيتي بثلثها، إضافة إلى دعمه الفني والمالي الكبيرين.
يبقى السد العالي في أسوان إنجازًا هندسيًا فريدًا، ساهم بفعالية في تحقيق الأمن المائي والكهربائي لمصر، ودعم التنمية الزراعية والصناعية، وعلى الرغم من التحديات البيئية والاجتماعية التي صاحبت إنشاؤه، يظل السد رمزًا للإرادة الوطنية والقدرة على تنفيذ المشاريع الكبرى.
تعليقات
إرسال تعليق