كتبت: لاتويا نصر
في مدينة أسوان، يتصدر "رمز الصداقة المصرية السوفيتية" المشهد كصرح صامت على مرحلة من التعاون الوثيق بين دولتين جمعتهما المصالح المشتركة والطموحات التنموية، ولا يقتصر هذا المعلم البارز على كونه نصبًا تذكاريًا فحسب، بل يحمل بين طياته رسالة عن التآخي والتفاهم المتبادل بين الثقافات، مؤكدًا على أهمية العمل المشترك في بناء مستقبل أكثر إشراقًا.
بدأ العمل في بناء النصب عام ١٩٦٧، وتم افتتاحه في عام ١٩٧١، ليجسد هذا النصب العلاقات التاريخية بين مصر والاتحاد السوفيتي، خاصة خلال فترة بناء السد العالي في ستينيات القرن الماضي، المشروع القومي العملاق الذي أحدث نقلة نوعية في تاريخ مصر الحديث. وقد قدم الاتحاد السوفيتي دعمًا لوجستيًا وفنيًا هائلًا لإنجاح هذا المشروع، ليقف النصب كدليل ملموس على هذا التعاون المثمر.
يتخذ التصميم الهندسي لـ"رمز الصداقة" شكل زهرة لوتس متفتحة بخمس أوراق، وهو اختيار لم يكن عشوائيًا؛ إذ تحمل زهرة اللوتس دلالات عميقة في الحضارة المصرية القديمة، حيث كانت ترمز إلى التجدد والنور والبعث. فكما ترتفع زهرة اللوتس بأوراقها الخمس من قلب الماء عند شروق الشمس معلنةً عن يوم جديد، ثم تنغلق وتغوص عند الغروب في دورة أبدية، فإنها تجسد فلسفة الحياة والاستمرارية.
يستقر النصب التذكاري في موقع استراتيجي على الضفة الغربية لنهر النيل الخالد في مدينة أسوان، ليصبح نقطة التقاء فريدة بين عراقة الماضي وسحر الطبيعة الخلابة. وتضفي التضاريس الجبلية المحيطة بالنصب، بشموخها، جوًا من السكون والرهبة، خاصة في لحظات الشروق والغروب الساحرة التي تجعل من المكان لوحة فنية طبيعية تخطف الألباب.
ويبلغ ارتفاع "رمز الصداقة" المهيب ٧٢ مترًا، مما يجعله معلمًا بصريًا لافتًا يمكن رؤيته من مسافات بعيدة، ويتزين التمثال بنقوش فنية دقيقة تجسد مجالات التطور والنهضة التي شهدتها مصر بفضل مشروع السد العالي.
يتكون التصميم الفريد للنصب من شكلين متكاملين يرمزان إلى مصر والاتحاد السوفيتي، حيث يعبر كل منهما عن جوانب من الثقافة والتاريخ العريق لكلا البلدين، في دلالة رمزية قوية على التكامل والتعاون بينهما.
وقد لعب "رمز الصداقة" دورًا محوريًا في تعزيز الحركة السياحية في أسوان، ليصبح محطة أساسية في برامج الزوار من مختلف أنحاء العالم، وكذلك للمصريين الراغبين في استكشاف جزء هام من تاريخ بلادهم وثقافتها. فإلى جانب قيمته المعمارية والرمزية، يستضيف الموقع العديد من الفعاليات الثقافية والفنية التي تساهم في تعزيز التبادل الثقافي وتقريب وجهات النظر بين الشعوب.
يزداد إقبال السياح على زيارة "رمز الصداقة" يوميًا، حيث يحرصون على التقاط الصور التذكارية والاستمتاع بالإطلالة البانورامية الساحرة. وفي عام ٢٠١٤، شهد الموقع حدثًا هامًا بتكريم الخبراء المصريين والروس الذين ساهموا بجهودهم في بناء السد العالي، تقديرًا لإسهاماتهم الكبيرة في هذا المشروع التاريخي، كما تم في يناير من العام نفسه إضاءة النصب لأول مرة منذ ٢٠ عامًا، ليضفي مشهدًا ليليًا ساحرًا يضاف إلى جماله النهاري ويجذب المزيد من الزوار.
ومن الجدير بالذكر أن هناك تضاربًا في بعض الروايات حول المصمم الرئيسي للنصب؛ فبينما تشير بعض المصادر إلى المهندس المعماري الروسي يوري أومليتشنكو كمسؤول عن التصميم العام، تذكر مصادر أخرى دورًا بارزًا للنحات السوفيتي «إرنست نيزفستني» في تصميم رمز زهرة اللوتس التي تمثل جوهر فكرة الصداقة. وهذا التباين يستدعي المزيد من البحث والتوثيق الدقيق لتحديد المساهمات الفردية في هذا العمل الفني والهندسي الهام.
يبقى "رمز الصداقة المصرية السوفيتية" في أسوان تجسيدًا قويًا لقوة الروابط الإنسانية والتعاون بين الشعوب، وقيمة الصداقة والتفاهم بين الثقافات المختلفة. ومن خلال دوره المتنامي في تعزيز السياحة وزيادة الوعي بأهمية التعاون الدولي، يظل هذا المعلم مصدر إلهام للأجيال الحالية والمستقبلية، مؤكدًا على أن العمل المشترك هو السبيل الأمثل نحو تحقيق التقدم والسلام المنشودين.
تعليقات
إرسال تعليق