:هبة عادل، منة الله أحمد
تقع ساقية تونة الجبل غرب مدينة ملوي بمحافظة المنيا، ضمن المنطقة الأثرية الشهيرة التي تضم آثارًا تعود إلى العصور الفرعونية واليونانية والرومانية. وتُعد هذه الساقية من الشواهد النادرة على براعة المصريين القدماء في إدارة الموارد المائية، إذ تمثل نموذجًا متقدمًا لتقنيات الري القديمة، وتبرز تفوقهم في مجالي الهندسة والزراعة.
تتكون الساقية من بئر عميقة محفورة بعناية في باطن الأرض، صُممت بطريقة تسمح برفع المياه إلى السطح لري الأراضي الزراعية المحيطة. وتعتمد آلية عملها على دولاب خشبي ضخم تديره حركة دائرية لحيوانات الجر مثل الجمال أو الحمير، فيما ترتبط مجموعة من الأواني الفخارية بحبال متصلة بالدولاب، فتقوم بسحب المياه من العمق إلى الأعلى بشكل متواصل وفعّال. وتُعد هذه التقنية، رغم بساطتها، واحدة من أقدم وأذكى أنظمة الري، حيث تظهر قدرًا كبيرًا من الابتكار والاستدامة في إدارة الموارد.
ويقع موقع الساقية بالقرب من المقابر القديمة بتونة الجبل، مما يعكس تداخل أنشطة الحياة اليومية مع الطقوس الجنائزية، ويؤكد أن المنطقة لم تكن مخصصة للدفن فقط، بل شهدت أيضًا حياة زراعية ومجتمعية نشطة. ويُبرز تصميم الساقية الدقة العالية التي ميزت البناء المصري القديم، سواء في اختيار الموقع أو في تقنيات الحفر والتدعيم، والتي حافظت على بقاء الساقية طوال هذه القرون.
ولا تزال بقايا الساقية قائمة حتى اليوم، حيث تجذب اهتمام الباحثين والزوار المهتمين بالتاريخ والهندسة القديمة، إذ تمثل مثالًا حيًا على قدرة المصري القديم على التكيف مع بيئته واستخدام موارده بكفاءة عالية. وتسهم الساقية، إلى جانب المعالم الأخرى في تونة الجبل، في إثراء التجربة السياحية والتعليمية، مقدمة فهمًا أعمق لطبيعة الحياة الزراعية والاقتصادية في العصور القديمة.
وهكذا تؤكد ساقية تونة الجبل أن الحضارة المصرية لم تقتصر على المعابد والمقابر وحدها، بل امتدت إلى أدوات الحياة اليومية، لتقدم نموذجًا حضاريًا متكاملًا يجمع بين التقدم والاستدامة.
تعليقات
إرسال تعليق